
أزمة الدولار في السوق المصرية: تداعيات التثبيت ومثيلاتها
سياسة تثبيت سعر الصرف: نظرة تحليلية
تشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن قرار تثبيت سعر صرف الجنيه المصري من فبراير 2023 حتى مارس 2024 كان له تأثير كبير على أزمة العملة الأجنبية في البلاد. توضح الدكتورة عالية المهدي، الخبيرة الاقتصادية وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، أن هذه السياسة ساهمت بصورة غير مباشرة في ارتفاع ممارسات السوق السوداء، مما أضر بالاقتصاد المصري في وقت حرج كان فيه السوق بحاجة ماسة للدولار.
انخفاض التحويلات المالية وفجوة السوق
كانت إحدى الآثار المباشرة لهذه السياسة هي الانخفاض الملحوظ في تحويلات المصريين المقيمين خارج البلاد، حيث تراجعت من 28 مليار دولار سنويًا إلى حوالي 16 مليار دولار في عام 2023. يعود هذا التراجع إلى عدم وجود حوافز للإبقاء على التحويلات عبر القنوات الرسمية، نتيجة الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، مما دفع العديد من العاملين بالخارج إلى تجنب النظام المصرفي.
أزمة الإيرادات وتداعياتها
تزامن هذا النقص في التحويلات مع انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس، والتي سجلت 9.5 مليار دولار في عام 2023 قبل أن تتراجع إلى حوالي 6 مليارات دولار في العام التالي. وعلاوة على ذلك، تأثرت القطاعات الصناعية بشدة، حيث أصبحت المصانع غير قادرة على تلبية احتياجاتها من مستلزمات الإنتاج، مما أثر على قدرتها التشغيلية، حيث اضطرت للعمل بطاقتها الانتاجية المثلى.
تحرير سعر الصرف: خطوة ضرورية
تؤكد المهدي أن قرار تحرير سعر الصرف في مارس 2024 كان خطوة ضرورية لتصحيح مسار السوق. إذ اختفت السوق السوداء بشكل ملحوظ، واستقر سعر الصرف الرسمي عند 50 جنيهًا للدولار. وتعتبر هذه الخطوة نتيجة حتمية للسياسات التي لم تعكس الواقع الاقتصادي، مما فتح المجال أمام العرض والطلب ليؤثروا بشكل حقيقي على سعر العملة.
مقارنة مع بلدان أخرى
تؤكد هذه الحالة على أهمية الوضع الاقتصادي في الدول التي تعتمد على تحويلات العاملين بالخارج كجزء أساسي من دخلها القومي. يمكن مقارنة ذلك بما حدث في دول مثل لبنان، حيث أدت السياسات النقدية غير المدروسة إلى أزمات نقدية مشابهة، ساهمت في تدهور مستوى المعيشة وتردي الأوضاع المعيشية.
في سياق هذه الأزمات، يصبح من الضروري إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاستفادة من الدروس المستفادة لضمان توفير بيئة اقتصادية مستقرة تدعم النمو، وتوجهات السوق بعيدا عن الانزلاق إلى السوق السوداء.