
تغطية ميدانية: التنمر وأبعاده القانونية في مصر
مقدمة
في ظل الحياة اليومية، يمر البعض بكلمات قد لا تعني لهم شيئًا، لكنها تترك أثرًا عميقًا في نفوس آخرين. يُعتبر التنمر الآن قضية متزايدة الأهمية وذات أبعاد نفسية واجتماعية عميقة. لقد تحول من مجرد سلوك اجتماعي إلى ممارسة تؤذي الضحايا نفسيًا ومعنويًا، مما يستدعي التحرك على المستويات القانونية والاجتماعية.
التنمر: واقع مرير
تُظهر التقارير أن التنمر لم يعد محصورًا في سياقات محددة؛ فقهاء النفس والمختصون يجمعون على أنه يشمل الظواهر اليومية في المدارس، مواقع التواصل الاجتماعي، وأماكن العمل. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُقدر أن واحدًا من كل ثلاثة طلاب عالمياً قد تعرض للتنمر، مما يعكس خطورة الوضع.
التنمر في المدارس
المدارس تُعتبر من أكثر الأماكن التي ينمو فيها التنمر. الطلاب غالبًا ما يستهدفون زملاءهم بدافع اختلافات جسدية أو اجتماعية. هذا السلوك يؤدي إلى تداعيات مثل الشعور بالنقص، والتأثير السلبي على الصحة النفسية.
التنمر الإلكتروني
مع ظهور الإنترنت، أصبح التنمر يتجاوز الحدود الجغرافية. السخرية، التعليقات المسيئة، وتهديدات عبر الرسائل تُعد أمثلة على التنمر الإلكتروني، الأمر الذي يعتبر جريمة في حد ذاتها وفقًا لقوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية في مصر.
التنمر في أماكن العمل
التنمر لا يتوقف عند الشباب؛ بل يمتد ليشمل بيئات العمل حيث يشعر الموظفون بتهميشهم أو التعرض للعنف النفسي، مما يؤثر على الإنتاجية ويزيد من الضغوط النفسية.
الإطار القانوني للتنمر
في استجابة لهذه الظاهرة المقلقة، قام المشرع المصري بتعريف التنمر كجريمة في عام 2020 بموجب القانون رقم 189، وقام بتعديله بعمق في ديسمبر 2023 عبر المادة 309 مكرر (ب).
تعريف التنمر
التعريف القانوني ينص على أن التنمر هو كل قول أو فعل يعبر عن استعراض قوة أو السيطرة، ويمس كرامة الفرد. يتضمن ذلك التهكم أو التمييز القائم على أسس مثل الدين أو الجنس.
العقوبات المقررة
العقوبة الأصلية تفرض حبسًا لمدة لا تقل عن ستة أشهر مع غرامة مالية، بينما تصل العقوبة المشددة إلى سنة حبس أو غرامة تصل إلى مائة ألف جنيه في حال كانت الجريمة ترتكب بشكل جماعي أو في بيئة العمل.
صور جريمة التنمر
التنمر يُمارس بعدة أشكال، وهذا يشمل:
- في المدارس: الضحايا غالبًا ما يكونون من الأطفال الذين يُظهرون اختلافات جسدية أو اجتماعية.
- عبر الإنترنت: يشمل السخرية والتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي.
- في العمل: يتمثل في الاستهزاء مما يؤدي لإرهاق الموظفين نفسيًا.
- في الأماكن العامة: يتعرض الأفراد لتعليقات مهينة حول مظهرهم أو لهجتهم.
- في البيئة العائلية: ممارسة السلطة النفسية من قِبل الأفراد ذوي السلطة على أفراد الأسرة.
العقوبات: تغييرات حاسمة
مما يزيد من أهمية هذه التشريعات هو وعي الأفراد بمسؤولياتهم القانونية. يتضح من النصوص القانونية أنه في حال تكرار الجريمة، يمكن أن تتضاعف العقوبة بشكل كبير، مما يجعل العدالة تردع الممارسات الضارة.
مواجهة التنمر: جهود متكاملة
رغم الأهمية القانونية، تتطلب مواجهة التنمر جهودًا مجتمعية. تبدأ من البيت، حيث تُعلّم الأسر أطفالها قبول الآخر والاحترام المتبادل، مرورًا بالمدارس التي ينبغي أن تدرب معلميها على رصد الحالات المبكرة للتنمر.
الوسائل الإعلامية أيضًا تتحمل جزءًا من المسؤولية في تقديم الوعي المناسب حول القضية، إذ أن الترويج لهذا السلوك كنوع من “المزاح” يؤثر سلبًا على المجتمع ويعزز من تفشي التنمر.
التنمر ليس مجرد فعل عابر، بل هو جريمة تؤثر على حياة الأفراد وتحتاج إلى استجابة جادة وشاملة من المجتمع بأسره.