
تجسيد الاقتصاد الأخضر: تحديات وفرص تدوير النفايات العضوية في منطقة الخليج
في خضم التحولات العالمية نحو اقتصاد يتسم بالاستدامة، يبرز قطاع تدوير النفايات العضوية كقاطرة لتحويل الأعباء البيئية إلى فرص اقتصادية واعدة. هذه الفرص، التي تقدر بمليارات الدولارات، تواجه تحديات فريدة تشمل التعريفات الجمركية المرتفعة والضغوط الاقتصادية، مما يعكس حالة التنازع بين الفرص والتحديات.
أرقام صادمة: إهدار الطعام في منطقة الخليج
يشير محمد كرم، المدير العام الإقليمي لشركة “إنسينكراتور”، إلى أن منطقة الخليج تعد من بين أعلى المناطق في هدر الطعام عالميًا، حيث تصل الفاقدات إلى معدلات تتجاوز 36% في الدول العربية. وفقًا للأرقام الصادرة، يتم هدر حوالي 3.2 مليون طن من الطعام سنوياً في الإمارات، وهو ما يكلف الدولة 3.5 مليار دولار، في حين تصل النسبة في السعودية إلى 4.2 مليون طن بتكلفة تقدر بـ10 مليارات دولار. تمثل هذه الأرقام، حسب كرم، تجسيدًا حقيقيًا للفرصة الاقتصادية التي يمكن استثمارها من خلال تبني مفاهيم الاقتصاد الدائري.
الاقتصاد الدائري: تحول من الهدر إلى الاستفادة
يوضح كرم أن الاقتصاد الدائري يهدف إلى إعادة استغلال الموارد الطبيعية بصورة فعالة، ويعتمد على نماذج جديدة تشمل “اقتصاد المشاركة” الذي انتشر مؤخرًا عبر تطبيقات مثل “أوبر” و”كريم”. من خلال تحسين كفاءة استخدام الموارد، يمكن تحويل نفايات الطعام إلى سماد عضوي أو مصادر طاقة حيوية، مما يسهم في تقليل الهدر البيئي.
الابتكار التكنولوجي: تحسين العمليات
تعتبر تقنيات “إنسينكراتور” نموذجاً لهذا التحول، إذ تعتمد على مبدأ “المعالجة الفورية” للنفايات في أماكن إنتاجها. يقول كرم: “عندما نعالج بقايا الطعام في الموقع، نزيد من قيمتها كسماد أو مصدر للطاقة”. يُظهر هذا النهج كيف يمكن أن تسهم الابتكارات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة، في خفض التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة.
تحديات التعريفات الجمركية والتضخم
على الرغم من الصعوبات الناتجة عن التعريفات الجمركية المرتفعة والموجة التضخمية الناتجة عن جائحة كورونا، نجحت “إنسينكراتور” في الحفاظ على زخم نموها، محققة معدل نمو تراكمي بلغ 11.5% خلال العقد الماضي. يؤكد كرم أنه رغم الضغوط الاقتصادية، فإن استقرار الأسعار وإدخال تقنيات جديدة ساعدا في الحفاظ على تنافسية منتجات الشركة.
التوسع الاستراتيجي: رؤية مستقبلية
تأسست “إنسينكراتور” في عام 1927، ومع مرور السنين، استطاعت أن تبتكر نفسها كعلامة تجارية رائدة في مجال إدارة النفايات. تمتلك الشركة مكاتب إقليمية في دبي منذ عام 2010، وهو ما يعزز تواجدها في سوق متنامٍ يتماشى مع رؤية الإمارات 2030. يؤكد كرم على أهمية عقد شراكات محلية لتطوير منتجات تناسب كل سوق، مما يعكس ترتيبات استراتيجية للتوسع والنمو.
خلاصة القول، إن قطاع تدوير النفايات العضوية في منطقة الخليج يمثل فرصة غير مسبوقة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين البيئة. ومع ذلك، يتطلب الأمر تعاونًا جادًا بين مختلف الجهات لتحقيق هذه الأهداف، مما ينأى بالمنطقة عن الهدر ويحيلها إلى نموذج يُحتذى به عالميًا.